فصل: لطائف التفسير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.سبب النزول:

تعرضت الآية الكريمة لأمرين هامين هما آداب الدعوة ومشروعية الحجاب ولكل منهما سبب نزول.
أما الأول: فقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله فصنعت أم سليم أمي حيسا فجعلته في تور وقالت يا أنس إذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل بعثت به إليك أمي، وهي تقرئك السلام وتقول لك: إن هاذ منا قليل يا رسول الله!.
قال: فذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت له: إن أمي تقرئك السلام وتقول لك: إن هذا لك منا قليل يا رسول الله، فقال: ضعه ثم قال: إذهب فادع لي فلانا وفلانا، ومن لقيت وسمى رجالا، فدعوت من سمى ومن لقيت، قيل لأنس: عدد كم كانوا؟ قال: زهاء ثلاثمائة، قال أنس: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس هات التور، قال فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليتحلق عشرة عشرة وليأكل كل إنسان مما يليه، فأكلوا حتى شبعوا، قال: فخرجت طائفة، ودخلت طائفة حتى أكلوا كلهم، فقال لي يا أنس: ارفع، فما أدري حين وضعتكان أكثر أم حين رفعت؟ وجلس منهم طوائف يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وزوجه مولية وجهها إلى الحائط فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فسلم على نسائه ثم رجع فلما، رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجع ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه فابتدروا الباب وخرجوا كلهم، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ودخل وأنا جالس في الحجرة فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج علي وأنزل الله هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها على الناس.
ثانيا: وأما بالنسبة لمشروعية الحجاب فقد كان سبب النزول ما روي في الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} الآية. وهذه إحدى الموافقات الثلاثة التي نزل القرآن الكريم فيها موافقا لرأي عمر رضي الله عنه.
وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: وافقت ربي في ثلاث: قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزل: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125] وفي الحجاب فنزلت آية الحجاب واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك.
وقد ذكرت روايات أخرى في أسباب النزول ولكنها كما قال ابن العربي كلها ضعيفة واهية ما عدا الذي ذكرنا.

.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى: قوله تعالى: {بيوت النبي} إضافة البيوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إضافة تشريف، مثل {ناقة الله} [الشمس: 13] وبيت الله الإضافة فيها للتكريم والتشريف فلبيوت النبي صلى الله عليه وسلم من الحرمة ما ليس لغيرها من البيوت، وهذه الأحكام ملذكورة هنا خاصة ببيوت النبي صلى الله عليه وسلم تكريما له عليه السلام وتشريفا.
اللطيفة الثانية: قوله تعالى: {إلا أن يؤذن لكم إلى طعام} في الكلام باء محذوفة تسمى باء المصاحبة أي إلا بأن يؤذن لكم. وتضمين الإذن معنى الدعوة للإشعار بأنه لا ينبغي أن يدخلوا على الطعام بغير دعوة وإن وجد صريح الإذن بالدخول، حتى لا يكون الإنسان طفيليا يحضر الوليمة بدون سابق دعوة.
ومما يدل على هذا التضمين قوله تعالى بعدها: {ولكن إذا دعيتم فادخلوا} فإنها صريحة في أن المرا د بالإذن الدعوة فتنبه لهذا السر فإنه دقيق.
اللطيفة الثالثة: قوله تعالى: {ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا} قال الإمام الرازي: فيه لطيفة وهي أن في العادة إذا قيل لمن كان يعتاد دخول دار من غير أذن: لا تدخلها إلا بإذن، يتأذى وينقطع بحيث لا يدخلها أصلا ولا بالدعاء، فقال: لا تفعلوا مثل ما يفعله المستنكفون، بل كونوا طائعين سامعين، إذا قيل لكم: لا تدخلوا فلا تدخلوا، وإذا قيل لكم ادخلوا فادخلوا. وهذا معنى لطيف.
اللطيفة الرابعة: قوله تعالى: {ولا مستأنسين لحديث} فيه إشارة لطيفة أن المكث بعد الطعام غير مرغوب فيه على الإطلاق، فالأمر أمر وليمة وقد انتهت، ولم يبق إلا أن يفرغ أهل البيت لبعض شأنهم، والبقاء بعد ذلك فيه نوع من الأثقال غير محمود.
قال بعض العلماء: هذه الآية نزلت في الثقلاء، وقرأها بعضهم فقال: هذا أدب من الله تعالى أدب به الثقلاء ويروى عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما: حسبك في الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم.
وأنشد بعض الفضلاء:
وثقيل أشد من ثقل المو ** ت ومن شدة العذاب الأليم

لو عصت ربها الجحيم لما كا ** ن سواه عقوبة للجحيم

وقال آخر:
ربما يثقل الجليس ولو كا ** ن خفيفا في كفة الميزان

ولقد قلت حين وتد في البيـ ** ـت ثقيل أربى على سهلان

كيف لم تحمل الأمانة أرض ** حملت فوقها أبا سفيان

اللطيفة الخامسة: قوله تعالى: {فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق} الاستحياء لا يكون من الذات، وإنما يكون من الأفعال، بدليل قوله تعالى: {والله لا يستحيي من الحق} ولم يقل: والله لا يستحيي منكم والكلام فيه حذف تقديره: فيستحيي من إخراجكم أو من أمركم بالانصراف والله لا يستحيي من بيان الحق، وأطلق استحياء الله وأراد منه عدم السكوت عن بيانه، فسمي السكوت عليه استحياء على طريق المشاكلة لوقوعه بجانب استحياء الرسول على حد قول القائل:
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه ** قلت اطبخوا لي جبة وقميصا

اللطيفة السادسة: قوله تعالى: {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} فيه إشارة دقيقة إلى ما بين العين والقلب من صلة وثيقة، فالعين طريق الهوى والنظرة بريد الشهوة، فإذا لم تر العين لا يشتهي القلب، وكما قال بعض الأدباء:
وما الحب إلا نظرة إثر نظرة ** تزيد نموا إن تزده لجاجا

فالقلب عند عدم الرؤية أطهر، وعدم الفتنة حينئذ أظهر.
اللطيفة السابعة: قوله تعالى: {إن ذلكم كان عند الله عظيما} الإشارة في قوله: {ذلكم} يعود إلى ما ذكر من إيذائه عليه الصلاة والسلام، ونكاح أزواجه من بعده، وقد جاء التعبير بلفظ {ذلكم} ولم يأت بلفظ هذا للتهويل والتعظيم.
قال أبو السعود: وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد منزلته في الشر والفساد. وقوله: {كان عند الله عظيما} أي أمرا عظيما، وخطبا هائلا، لا يقادر قدره، وفيه من تعظيمه تعالى لشأن رسوله صلى الله عليه وسلم، وإيجاب حرمته حيا وميتا ما لا يخفى، ولذلك بالغ تعالى في الوعيد.

.وجوه القراءات:

أولا: قرأ الجمهور {غير ناظرين} بفتح راء غير نصبا على الحال، وقرأ ابن أبي عبلة بالكسر صفة لطعام، قال الزمخشري وليس بالوجه لأنه جرى على غير من هو له، فمن حق ضمير ما هو له أن يبرز إلى اللفظ فيقال: غير ناظرين إناه أنتم، قال أبو حيان: وحذف هذا الضمير جائز عند الكوفيين إذا لم يلبس.
ثانيا: قرأ الجمهور {إناه} مفردا، وقرأ الأعمش {إناءه} بمدة بعد النون، وعلى الأول يكون المعنى: غير ناظرين نضجه، وعلى الثاني يكون المعنى غير ناظرين وقته أو حينه والله أعلم.

.وجوه الإعراب:

أولا: قوله تعالى: {إلا أن يؤذن لكم إلى طعام} الآية.
الاستثناء هنا استثناء مفرع من عموم الأحوال، أي لا تدخلوها في حال من الأحوال إلا حال كونكم مصحوبين بالإذن لكم، وتكون باء المصاحبة مقدرة في الكلام.
وذهب الزمخشري: إلى عدم تقدير الباء، وإلى أن الاستثناء مفرغ من عموم الأوقات، والمعنى: لا تدخلوها في وقت من الأوقات إلا وقت الإذن.
وقد رد أبو حيان هذا فقال: وهذا ليس بصحيح، وقد نصوا على أن أن المصدرية لا تكون في معنى الظرف، تقول: أجيئك صياح الديك، وقدوم الحاج، ولا يجوز أجيئك أن يصيح الديك، ولا أن يقدم الحاج.
والمسألة خلافية في خلافيات النحاة: والأشهر أنه لا يجوز، وأجاز الأخفش والكسائي ذلك في الحال، فتقول: ما ذهب القوم إلا يوم الجمعة راحلين عنا.
ثانيا: قوله تعالى: {غير ناظرين إناه} الآية.
غير، منصوب على الحال من الواو في {تدخلوا} وإن أجري وصفا لطعام {غير ناظرين} على القراءة الثانية وجب إبراز الضمير، فكان ينبغي أن يقال: إلى طعام غير ناظرين إناه أنتم، وقد بينا ما فيه عند ذكر وجوه القراءات.
ثالثا: قوله تعالى: {ولا مستأنسين لحديث} الآية.
{مستأنسين} عطف على {غير ناظرين} ولا لتأكيد النفي، وجوز بعض المفسرين أن تكون لا بمعنى غير معطوفة على غير ناظرين إناه ويصبح المعنى: غير ناظرين إناه، وغير مستأنسين لحديث.
ويرى البعض أن {مستأنسين} حال من فاعل فعل محذوف دل عليه الكلام، أي ولا تمكثوا مستأنسين لحديث، واللام في قوله: {لحديث} لام التعليل أي لأجل استماع الحديث، أو هي لام التقوية.
رابعا: قوله تعالى: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} الآية.
أن وما بعدها في تأويل مصدر اسم كان، والتقدير: وما كان لكم إيذاء رسول الله، وكذلك قوله تعالى: {ولا أن تنكحوا} لأنه عطف عليه، أفاده ابن الأنباري.
خامسا: قوله تعالى: {إن ذلكم كان عند الله عظيما} اسم الإشارة اسم أن وجملة {كان عند الله عظيما} خبرها والله أعلم.

.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: هل يجوز تناول الطعام بدون دعوة؟

اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز دخول البيوت إلا بإذن. ولا يجوز تناول طعام الإنسان إلا بإذن صريح أو ضمني، لقوله عليه السلام: «لا يحل مال أمرئ مسلم إلا عن طيب نفسه».
وقد دلت الآية الكريمة على حرمة دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد الإذن، وعلى حرمة التطفل وهو أن يحضر إلى الوليمة بدون دعوة، وفاعله يسمى ب الطفيلي، والحكم عام في جميع البيوت، فلا يجوز لإنسان أن يدخل بيت أحد بدون إذنه، ولا أن يتناول الطعام بدون رضى صاحبه، وهذا أدب رفيع من الآداب الاجتماعية التي أرشد إليها الإسلام.
قال ابن عباس: كان ناس يتحينون طعامه عليه الصلاة والسلام، فيدخلون عليه قبل الطعام، وينتظرون إلى أن يدرك، ثم يأكلون ولا يخرجون، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأذى بهم فنزلت هذه الآية.
وقال ابن كثير رحمه الله: حظر الله تعالى على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله لهذه الأمة فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى لهذه الأمة، ومعنى الآية: أي لا ترقبوا الطعام إذا طبخ، حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول، فإن هذا مما يكرهه الله ويذمه.. ثم قال: وهذا دليل على تحريم التطفل، وهو الذي تسميه العرب الضيفن.

.الحكم الثاني: هل الجلوس بعد تناول طعام الوليمة حرام؟

دل قوله تعالى: {فإذا طعمتم فانتشروا} على ضرورة الخروج بعد تناول الطعام، وهذا من الآداب الإسلامية التي أدب الله بها المؤمنين، فالمكث والجلوس بعد تناول الطعام ليس بحرام، ولكنه مخالف لآداب الإسلام، لما فيه من الإثقال على أهل المنزل سيما إذا كانت الدار ليس فيها سوى بيت واحد، اللهم إلا إذا كان الجلوس بإذن صاحب الدار أو أمره، أو كان جلوسا يسيرا تعارفه الناس، لا يصل إلى حد الإثقال المذموم.
ومع ذلك فالأفضل الخروج، ولهذا جاء التعبير بالفاء التي تفيد الترتيب والتعقيب {فانتشروا}.
فالمكث بعد الطعام غير مرغوب فيه على الإطلاق ولم يبق إلا أن يفرغ أهل البيت لبعض شأنهم، والبقاء بعد ذلك نوع من الإثقال غير محمود، يتنافى مع الأدب الرفيع، والذوق السليم.

.الحكم الثالث: هل الأمر بالحجاب خاص بأزواج النبي أم هو عام؟

الآيات الكريمة وردت في شأن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، تعظيما لرسول الله، وتكريما لشأنه، ولكن الأحكام التي فيها عامة تعم جميع المؤمنين، لأنها آداب اجتماعية، وإرشادات إلهية، يستوي فيها جميع الناس، فالأمر بعدم الاختلاط بالنساء، وبسؤالهن من وراء حجاب، ليس قاصرا على أزواج الرسول، ولكنه عام يشمل جميع نساء المؤمنين، فإذا كان نساء الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز الاختلاط بهن، ولا النظر إليهن، مع أنهن أمهات المؤمنين يحرم الزواج بهن، ولا يجوزسؤالهن إلا من وراء حجاب، فلا شك أن الاختلاط بغيرهن من النساء، أو التحدث إليهن بدون حجاب، يكون حراما من باب أولى، لأن الفتنة بالنساء متحققة.
ثم إن أمر الحجاب ليس خاصا بأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو عام لجميع نساء المؤمنين، بدليل قوله تعالى في آخر السورة {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} [الأحزاب: 59].
فهل خرجت مؤمنة من هذا الخطاب؟ وهل أمر الحجاب خاص بنساء الرسول حتى يزعم بعض المضلين، أن الحجاب مفروض على نساء الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة دون سائر النساء؟!.
وسنتحدث بالتفصيل إن شاء الله عن هذا الموضوع عند بحث الحجاب الشرعي ونبين تلك المزاعم الواهية التي احتج بها بعض المتحللين، ونبطلها بالحجج الدامغة، فارجع إليها هناك واله يتولاك.

.الحكم الرابع: هل الطعام المقدم للضيف على وجه التمليك أم الإباحة؟

أشارت الآية الكريمة وهي قوله تعالى: {فإذا طعمتم فانتشروا} إلى أن الطعام الذي يقدم للضيف لا يكون على وجه التمليك، وإنما هو على وجه الإباحة، فلو أراد الضيف أن يحمل معه الطعام إلى بيته لا يجوز له ذلك لأن المضيف إنما أباح له الأكل فقط دون التملك له أو أخذه أو إعطائه لأحد.
قال العلامة القرطبي: في هذه الآية دليل على أن الضيف يأكل على ملك المضيف، لا على ملك نفسه لأنه تعالى قال: {فإذا طعمتم فانتشروا} فلم يجعل له أكثر من الأكل، ولا أضاف إليه سواه، وبقي الملك على أصله.

.الحكم الخامس: هل زال النكاح عن أمهات المؤمنين بموت النبي صلى الله عليه وسلم؟

قال القرطبي: ف يتفسيره الجامع لأحكام القرآن: اختلف العلماء في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، هل بقين أزواجا أم زال النكاح بالموت، وإذا زال النكاح بالموت فهل عليهن عدة أم لا؟
فقيل: عليهن العدة، لأنه توفي عنهن، والعدة عبادة.
وقيل: لا عدة عليهن، لأنها مدة تربص لا ينتظر بها الإباحة.
قال: والقول الثاني هو الصحيح لقوله عليه السلام: «ما تركت بعد نفقة عيالي» وروي «أهلي» وهذا اسم خاص بالزوجية، فأبقى عليهن النفقة والسكنى مدة حياتهن لكونهن نساءه، وحرمن على غيره، وهذا هو معنى بقاء النكاح. وإنما جعل الموت في حقه عليه السلام بمنزلة المغيب في حق غيره، لكونهن أزواجا له في الآخرة قطعا، بخلاف سائر الناس، لأن الرجل لا يعلم كونه مع أهله في دار واحدة، فربما كان أحدهما في الجنة، والآخر في النار، فبهذا انقطع السبب في حق الخلق، وبقي في حق النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه السلام: «كل سبب ونسب ينقطع، إلا سببي ونسبي فإنه باق إلى يوم القيامة».
فأما زوجاته عليه السلام اللاتي فارقهن في حياته مثل الكلبية وغيرها، فهل كان حيل لغيره نكاحهن؟ فيه خلاف، والصحيح جواز ذلك، لما روي أن الكلبية التي فارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها عكرمة بن أبي جهل على ما تقدم، وقيل: إن الذي تزوجها الأشعث بن قيس الكندي.
قال القاضي أبو الطيب: الذي تزوجها مهاجر بن أبي أمية ولم ينكر ذلك أحد، فدل على أنه إجماع.